الثلاثاء، 15 يوليو 2014

"ضربني وشعرت بضربته كأنها قبلة"


عبد الرحمن محمد

السطر يظهر في أغنية ألترافايولانس Ultraviolence* للمغنية الأمريكية لانا دل راي، ضمن أحدث ألبوماتها المسمى على الأغنية، يعدّ هذا تتويجاً – غير أصيلٍ، للأسف- لمسيرة لانا دل راي الفنية التي بدأتها مفتونة وغرقانة في دور – أو عايشة دور – العلاقة المضطربة والمؤذية مع حبيب خطر، من حين لآخر تقدّم لانا دل راي تصوراً متناقضا غير متسق للحبيب الخطر، نحن غير متأكدين بالضبط، حتى الآن، إن كان هذا الحبيب هو الفتى الشقي والشاب الرِوِش ذي الجسد الموشوم راكب الموتوسكل – أو راكب السيارة العضلات – من فيديو "ابن موت" ، أو إن كان الرجل الأكبر سناً. الرجل الأكبر سناً توصيف مطّاط وملتبس لشخصية غامضة تظهر من حين لآخر في أغلب أغاني لانا دل راي، وتسمّيه "دادي"، لا نملك تأريخاً دقيقا لأول ظهور لدادي، ربما يكون ذلك في أغنية  Axl Rose Husband.

أول ما قد يلاحظه المستمع أن لانا – أو إليزابث وولريدج غرانت- تميل لتكرار "لوازم" من التعبيرات في أغانيها، مثل ذلك المثال، لنأخذ كلمات أغنية Axl Rose Husdand، ويأتي فيها ذكر للرجل الذي يملك سيارة Pontiac Heaven بيضاء، الرجل نفسه يظهر بنفس البونتياك هيفن في كلمات أغنية Diet Mountain Dew.

بونتياك بيضاء، أو نموذج لسيارة عضلية

البونتياك شركة سيارات أمريكية اشتهرت بإنتاج السيارات التي نسمّيها الآن "سيارات عضلية"، قد تكون مهووساً بالسيارات العضلية إذا كنت تميل لإنتاج معالجات تصنّف كنوار، أو نيو-نوار أمريكي، مثل فيلم السائق، ومثل "قُد"، كذلك، وأفلام أخرى تنتمي لنفس الأجواء. "البونتياك هيفن البيضاء" نفسها شيء يكاد يكون من اختراع لانا دل راي كلياً لأنني بحثت والنتيجة الوحيدة التي ظهرت لي كانت معرضاً سنوياً للسيارات العضلية الأنتيكة.

أول مرة تعثّرت فيها بلانا دل راي كانت في أغنية "ولدنا لنموت"، يدور فيديو الأغنية في عالمين منفصلين، واحد ذاك الذي تكون فيه لانا دل راي بجانب حبيبها في السيارة، بعدما تلتقي به في مكان مفتوح يظهر في خلفيته حديقة قصر الفونتانبلو في فرنسا. (لاحظ السيارة العضلية في الخلفية).


لانا ومودل الأغنية يظهرا سوياً كذلك في إحدى حجرات القصر، وفي مشاهد أخرى نرى لانا دل راي متجولة في أحد ممراته.


يقتبس الفيديو من كلاسيكيات جنرا النوار تلك المشاهد الأيقونية لكشافات السيارة المشعّة في الليل، وفي طريق سريع مظلم.



البعد الآخر للفيديو يدور داخل كنيسة، تركّز الكاميرا مبدئياً على الأيقونات في سقف الكنيسة ثم تهبط لنرى لانا دل راي جالسة على عرش، ورأسها متوج بإكليل الورد الجنائزي (باللونين الأبيض والأزرق، ثمة لازمة في كلمات أغانيها من الألوان الثلاثة، أحمر وأزرق وأبيض، التي قد تؤوّل كإشارة للعلم الأمريكي، لو أضفنا أحمر الشفاة في هذا المشهد لاكتمل إذن الثلاثي)، في إشارة كاثوليكية للشهادة أو القديسات. تاج الورد كذلك أحد رموز مريم العذراء -لمن قرأ شيفرة دافنشي.



ما كان يعدّ غير مألوفاً وقتها هو ظهور ببّرين، على يسار ويمين المغنية الجالسة على عرشها، في اشارة صريحة لرمزية الخطيئة المسيحية، النمر الذي يرمز للخطيئة ذاك قادم من عوالم الكوميديا الإلهية لدانتي.


تعتقد لانا دل راي أن الببور تستهدف النساء، ومن الخطر تواجدهما معاً في حجرة واحدة، على حد تعبيرها. مما يجعلنا نميل للتفسير أن الببور غالباً ترمز – إلى جانب الخطيئة – للرجل الذي تنوي شخصية لانا دل راي في الأغنية أن تدعه يدخل إلى حياتها، ويتسبب في النهاية بمقتلها أو إيذائها كما يتوقع الفيديو.


فيما بدا أنه حادث قد تسبب فيه الحبيب دون قصد، بالطبع. إلا أن لانا دل راي تُظهر أن العلاقة مُهلِكة من البداية وأن الحبيب كان مصدراً للأذى، والظلامية والموت المبكر المجيد. ما يثير الانزعاج والريبة بشكل خاص أنها لا تسير إلى حتفها بنفسها، ولا تتخيل أنها تقتل نفسها في فعل فردي كاملة الأهلية، كأن تقود إلى هلاكها – مثل جيمس دين- أو تبلع شيئا يودي بحياتها. كانت كل التخيلات تتمحور حول كونها في علاقة "عنيفة" بحبيب متهور، ظلامي، غامض، مؤذ، مجرم، متورط مع العصابات، إلخ، وأنه من حين لآخر يفرغ طاقة العنف فيها، إنهما لا يسلكان معاً طريق المخدرات والدمار الذاتي فحسب – وإن كان يمكن التغاضي عن ذلك بأن شخصية الحبيبة التي تمثلها لانا دل راي تذهب في طريق المخدرات بمحض ارادتها، ولكن الفيديو لا يخلو من إشارات صريحة إلى أن الحبيب مؤذ لها جسدياً وأنها في علاقة abusive.

في مشاهد البداية، نلاحظ أنه ثمة مشادة طفيفة تبدأ بينهما، ثم يجذبها إليه ويؤشر بعنف إلى رأسها مشكلاً مسدساً بأصابعه،

ثم يقرّب وجهها إليه عنوة – وبالطبع، تظهر لنا لانا دل راي أنها متضررة مما يحدث كله، وعلامات الألم على وجهها- ويفلح الحبيب في النهاية في تقبيلها غصباً.



للأسف، لا يكتفي الفيديو بهذا القدر، في مشاهد موازية لهما معاً في حجرة فندق، نجد لانا دل راي في الفراش وحبيبها ممدد خلفها، وفي احدى مشاهدهما معاً كان يضع قبضته على عنقها في مشهد موح بأنه يتخيّل خنقها.


تعبيرات الأسى المسالم على وجه لانا دل راي توحي بأنها تتوقع مصيرها وتنتظره، بل تتطلّع إليه.

لا نعتقد أن لانا دل راي قد بدأت مسيرتها الفنية متخيلة نفسها امرأة معنّفة تذهب إلى حتفها بنوع من الإرادة المسلوبة، في الواقع، ثمة أغان لها كانت تتخيل نفسها فام-فاتال، بصراحة، يصعب تخيل مصير آخر لتلك المغنية التي تبدأ مسيرتها الفنية بوصف نفسها أنها Self-Styled Gangsta Nancy Sinatra، نانسي بدأت تقليداً من تشييء المرأة الضحية التي تطلع لتغني بصوت رخيم وحزن فيه بهجة استشهاد "حبيبي طخّني بالنار"، ولنا تعليق على هذه الأغنية، التي يكون فيها مصير المرأة المعنّفة أبدياً حتمياً لا خلاص ولا مناص منه، فحبيبها يعنّفها ويطخّها بالنار – سواء لهواً او جداً – مذ الطفولة، مذ كانا في السادسة والخامسة من العمر. وذاك شيء جدير بلا شك بأن يستخدمه كوينتن تارانتينو في تحفته "النسوية" (اقتل بيل)، عن امرأة تتعرض للعقاب لأنها فكرت في هجران بيل، فقط ليكتشف بيل أنها أرادت أن تهجر حياة العنف والطخّ بالنار، لتكتشف هي أنها لا تستطيع. ما علينا.

بلا شك، تبدو لنا لانا دل راي كأنها ضحية لهذه الثقافة الأمريكية من حياة الخطورة قصيرة الأمد والنساء المعنّفات الذين يغنين في نوادي تعرٍ لأجل رجال خطرين من العصابات، وجو النوار عموماً.

في وقته، لم يك فيديو "ولدنا لنموت" أو الأغنية منذرة بهذا الشكل، بل بدت استكمالاً لمسيرة الضجر من الحياة على هذا الكوكب -بدأتها لانا في أغنيتها التي لا تقل جودة Video Games، في الأغنية، يبدو لنا أن الحبيبين الأبديين مجرد اثنين في شبابهما يجلسان بضجر للعب ألعاب الفيديو، وتسأل لانا حبيبها من حين لآخر "إن كان صحيح حقاً، أنك تحبّ الفتيات السيئات؟ واو! ذاك أفضل من كل أحلامي!"
ليس المثير للقلق تمجيد لانا دل راي للموت المبكر، فحسب، ولنمط حياة التدمير الذاتي، المؤسف أنها تعيش في خيالات نمطية من الأدوار الجندرية، ما عدا آمي واينهاوس، الموت المبكر والعنيف كان لنجوم من بطرياركات الروك الذكور، وهذا مناسب للخيال الشعبي عن الاستشهاد الذكوري، لرجل بطل يقتل نفسه قتلة عنيفة –بالمسدس بتاع جيمي هندريكس- أو بحادث سيارة عضلية كما حدث لجيمس دين، أو غيره، ولأن لانا دل راي تعيش دور اللوليتا وأدوار أخرى نمطية جندرياً، فهي تبني فانتازيا كاملة يتحقق فيها هذا الدمار المبكر، على يد حبيبها العنيف والخطر.
يبدو لنا أن كل ما أنتجته لانا فيما بعد محاولة لمعالجة فانتازيا ذلك الحبيب المتخيل، حتى لو كنا نميل للاعتقاد أن ذلك كله من خيال لانا، حتى خيالها عن وجود حبيب – أو مودل- يحب الفتيات السيئات، والملحوظ، أن لانا دل راي تحب معايشة دور فام فتال، أو معنّفة، أو مغنية في نادي عصابات، ورغم أن تلك رغبتها، فهي تحب أن تتخيل حبيباً "يبارك" هذه الاختيارات في حياتها، تأتي تلك الإشارة من جديد في أغنية "ولدنا لنموت"، تقول لانا دل راي "هلم لأقبّلك بقوة في المطر الغزير، فأنت تحب فتياتك مجنونات"، هذه "لازمة" أخرى متكررة في أغانيها، لابد من وجود الرجل الذي "يشرعن" أو يجيز الطريق المظلم وطريق الرذيلة الذي تهبط إليه لانا دل راي.

لابد أن عام 2012 قد شهد تلك المرحلة من حياتها الفنية حينما بدأت تتوغل أكثر وتؤكد على الدور الذي لعبته في فيديو "ولدنا لنموت"، وعلى المصير المظلم والمريب الذي ينتظرها بتأثير رجل العصابات في حياتها، فيديو أغنية Blue Jeans الذي صدر في ربيع 2012، في الفيديو تظهر من جديد حركة الخنق الناعم والمتخيّل للحبيب الخطر ذي الجسد الموشوم، في الواقع، نفس المودل يظهر في الأغنية، هنالك ثيمات أخرى أُعيد انتاجها واستخدامها من قبيل رمزية الوحش المفترس.


لا يزال الحبيب إذن "يهوّش" بقتل الحبيبة أو خنقها، ولا يزال يرمز إليه أنه وحش مفترس يهدد النساء، في الفيديو تظهر لانا سابحة مع حبيبها ومع تمساح في حمام للسباحة، من حين لآخر، تمتطي لانا التمساح صاعدة وهابطة من عمق المسبح لأعلاه.

التمساح، إلى جانب رموزه الكنسية – من قبيل أنه وحش مائي قد يذكرنا بالتنين الأخروي، في قصة مريبة تقع فيها الدامزل إن دسترس في حب التنين- كلمات الأغنية نفسها لا تخلو من إشارات، منها، تكرر إشارة الموت المبّكر لشاب جميل، وتقول لانا مخاطبة حبيبها أن له تأثير مرضي مثل السرطان، لأنه مثل جيمس دين.



في صيف 2012 بعد فيديو أغنية "حزن الصيف"، تظهر دعاية عبارة عن فيديو قصير مدته لا تتعدّى الدقيقتين تقوم فيه لانا دل راي بأداء أغنية المخمل الأزرق، الدعاية لصالح شركة H&M للملابس. أغنية المخمل الأزرق نفسها التي تقوم لانا دل راي بتغطيتها لا تحمل أي معان مريبة، ما عدا الحزن المهووس لرجل ينعى حبيبة سابقة كانت ترتدي المخمل الأزرق، المريب هو السمعة التي اكتسبتها الأغنية بعدما استخدمها المخرج ديفد لينش في فيلمه الظلامي والمقبض بنفس العنوان.


كعادة ديفد لينش في كل أفلامه وشخصياته النسائية، الفيلم يعتبر قصة أمريكية قديمة جداً ومكررة لامرأة، مغنية في ناد ليلي، تقع رهينة في قبضة رجل عصابات مختل، يبتزها ويجبرها على مجاراته في خيالاته المريضة، المغنية، التي أدّت دورها إيزابيلا روزوليني، أو دوروثي فالنز في الفيلم، تقوم بأداء شهير جداً لأغنية المخمل الأزرق في النادي الليلي، بينما يستمع إليها فرانك بووث المجرم المختل بعينين دامعتين من النشوة، قدّم دنيس هوبر أداء مرعباً وكاريكاتورياً لمجرم مختلاً يعاني انحرافاً نفسياً متقدماً ولا يتورع عن فعل التعذيب والعنف المفرط، وفي الوقت نفسه يبدو أنه مهووس بغرام كئيب مؤذ بهذه المغنية دوروثي فالنز.

نلاحظ أن لانا دل راي قد اقتبست بعض من عناصر أفلام ديفد لينش عموماً – وفيلم "المخمل الأزرق" خصوصاً – لأجل الفيديو الخاص بها، مثل الميكروفون، والنظرة الزجاجية لنساء منومات خاليات من الحياة، والقزم الشرير.

إيزابيلا روزيليني تؤدي "المخمل الأزرق"
حافظت لانا دل راي على عناصر أفلام ديفد لينش كأنها ترمي إليه باشارات ليستعين بها في مشروعه القادم، ربما، بالطبع، مظهر المغنية نصف الحية نصف الميتة المنتشية في نوم غامض، ثمة المزيد من النساء المنوّمات في وضعية ديكورية خلفية بالأغنية.
لانا دل راي تؤدّي المخمل الأزرق

دُمى مقبضة



في فيلم ديفد لينش، كانت المغنية دوروثي فالنز – التي تعيش لانا دل راي دورها أحياناً في إشارات عدة ومتفرقة بأغانيها-في نوع من العلاقة الجنسية المؤذية مع فرانك بووث، رغم أنها، نظرياً، ضحية ابتزاز، وفرانك بووث في القصة الأصلية يجبرها على الانخراط معه في كل هذا تحت وطأة التهديد.

في أشهر مشهد بالفيلم، حين يلعب بطل الفيلم دور المتلصص – شخصية كأنها خرجت من أفلام هيتشكوك- وفرانك بووث يظن أنه وحده مع دوروثي في الحجرة، ويبدأ بمباشرة فانتازيته الجنسية، تناديه دوروثي "بيبي"، فيعّنفها ناهراً، ويصحح لها أنها من المفترض أن تناديه "دادي"، مطالباً بالبوربون الخاص به. (تأتي لانا دل راي على ذكر ويسكي البوربون في كلمات أغنية من ألومها الجديد، عالم قاسٍ: "دع بعض من البوربون يتغلغل فيك، دع بعض من حسّ الضواحي يتسلل إليك، وكن مجنوناً." لا ندري لماذا، البوربون بالذات، إلمّ يكن احالة أخرى للمخمل الأزرق.)


تصرّح لانا دل راي في أغنية "آلهة ووحوش" أنها تعيش مثل جيم موريسون (في إشارة لنمط حياة نجم الروك الصاخبة والموت المبكر بسبب ذلك، غالباً، بالانتحار أو بجرعة مخدرات) إلا أنني أجدها، بتلك الشخصية التي تجسدها في أغانيها، تعيش حياة دوروثي فالنز في فيلم ديفد لينتش.

للأسف، هي لا تفعل شيئا لنقض هذا الافتراض، ولا يبدو لي ذلك من قبيل الصدفة، أن أول ظهور للحبيب الأكبر سناً أو ذلك المصطلح على تسميته "دادي" في أغانيها واسعة الانتشار، في العام نفسه، بعد تصويرها لفيديو "المخمل الأزرق".

في خريف 2012 تظهر أغنية Ride وفيديو الأغنية. لاشك أن اشارتها لحبيبها بدادي قد ظهرت من قبل في أغان قد أدّتها في سنوات تسبق حقبة الانتشار التجاري الواسع والفيديو كليب ضخم الإنتاج، في الواقع، كان علينا أن ننتظر ليظهر ذلك بعد خمسة فيديو كليبات بالضبط تخلو تماما من أي إشارة للدادي، وهي "ألعاب الفيديو"، ثم "ولدنا لنموت"، ثم "جينز أزرق"، ثم "نشيد قومي" (لا ننسى أنها في هذا الكليب تعايش دور امرأة تنتهي نهاية مأساوية بعد علاقة لها برجل قوي، رئيس جمهورية، نقصد الثواني الأولى في أدائها لأحد المشاهد الشهيرة من حياة مارلين مونرو وهي تغني كل سنة وأنت طيب مستر بريزدنت)، ثم "حزن صيفي"، يبدو لي أنه فقط بعد أداء "مخمل أزرق" قد تكوّن لدى لانا بعض الجرأة لتصارح جمهورها العريض الضخم بفانتازيا قديمة لديها. وتبدأ في تعميمها على نطاق واسع، بشكل يجعل انتاجها التالي يكاد لا يخلو من هذه الإشارة ومن الظهور الشرفي المتكرر للحبيب الأكبر سناً.


في أحد المشاهد، تظهر لانا وقد جلست في حضن رجل أكبر سناً، مرتدية ربطة شعر حمراء على شكل فيونكة بينما يمشّط لها الرجل شعرها.

لقد تبع هذا الفيديو إعادة إصدارها لألبوم عام 2012 بنسخة جديدة, وقد أضافت فيه لانا، إلى جانب أغنية Ride، التي يقول أحد سطورها "يمكنك أن تكون الفول-تايم دادي الخاص بي"، أغنيات أخرى تتمحور حول عقدة دادي، من قبيل أغنية كولا، تقول فيها لانا بصراحة إنها لطالما فضّلت الرجال الأكبر سناً. وإلى جانب التحفة الفريدة لوليتا، أغنية لوليتا تنتمي إلى حقبة سابقة من حياة لانا، من الملاحظ أن نبرة صوتها مختلفة، أقل كونترالتو وأكثر حدّة و"طفولية"، إليزابث غرانت أو لانا دل راي أصلاً تملك مساحة صوت واسعة يمكنها أن تنتقل فيها من الكونترالتو إلى السوبرانو بسهولة في المقطع الواحد، وهكذا تمكنت من غناء مقاطع لحنية ثقيلة، مقبضة ورخيمة، وتمكنت كذلك من أداء أغاني مثل "لوليتا" ذات لحن سريع مرح ودرجة صوت أعلى حدّة. لابد أن لانا كانت متخوّفة من الأحكام التي قد يصدرها عليها جمهورها إذا اطّلع على انتاجها السابق أو إحالاتها المهووسة والمستمرة لـ"دادي"، ولابد أن أداء "المخمل الأزرق" قد شكّل لها قفزة الشجاعة، بعدها اتّخذ انتاجها منحى أكثر "جرأة"، إن كان يمكننا وصفه بذلك، ندر أن وجدت مغنية أخرى تنادي حبيبها بصراحة أنه "دادي"، فيما عدا إشارة عابرة وطفيفة لليدي غاغا في أغنية "أليهاندرو" تقول فيها أن الحبيب مثل الأب:
"هي ليست كسيرة،
ليست إلا طفلة صغيرة
ولكن حبيبها مثل أبيها،
إنه مثل أب لها، تماماً."
إن كانت أغنية لوليتا القديمة تبشّر بالطريق الذي سوف تتخذه لانا دل راي فيما بعد، فإنها تكاد تخلو من الإشارات المقبضة والكئيبة للموت، وللنهاية المأساوية، ولنمط الحياة الذي تعيشه المغنية والذي يشبه نمط حياة كل نجوم نادي الـ27 (مجموعة من الموسيقيين، أغلبهم أمريكان، ماتوا ميتات مأساوية في سن الـ27، غالباً، بسبب نمط حياتهم: إدمان المخدرات، أو ميتات عنيفة أخرى كقتل أو انتحار). إلا أنها استعارت فيها عناصر مهمة سوف تعاود الظهور في أغلب انتاجها، مثل الفتاة اللوليتا، وهذه إشارة للوليتا أو دولوريس هيز الطفلة بطلة رواية فلاديمير نابوكوف بنفس العنوان، طفلة في الـ12 من عمرها يقوم باستغلالها بيدوفايل في الأربعين من عمره – همبرت همبرت- ويدمر حياتها.

ويعطي فكرة كذلك عن تمادي لانا دل راي في انتاج كل هذه الثيمات، والأهم، عن سبب وقوعها ضحية في كل هذه الخيالات السلبية المؤذية، عن التدمير الشخصي، في عالم من الميديا التي سوف تحاسب ممثلة أو مغنية على بدانتها ولن تحاسبها على اتخاذها نمط حياة يمجّد دور الضحية أو الدامزل إن دسترس أو الفام فاتال.
هكذا، ظهور اغنية Ultraviolence بالسطر المريع والمقتبس من أغنية أخرى من الستينيات بعنوان "ضربني وشعرت بضربته كأنها قبلة"، أغنية بوب كتبها غيري غوفن وكارول كنغ، قام بأدائها فريق الكريستالات، بتوجيه من فل سبيكتور، غوفن وكنغ كتبا الأغنية بعدما علما أن المغنية ليتل إيفا تتعرض للعنف والضرب من قبل صديقها، وحين استفسرا عن سبب بقائها مع كل هذا، عللت أن أفعال صديقها ليست إلا تعبيراً عن حبه الشديد لها. لا نملك للأغنية وصفاً أفضل من التعبير المستخدم بواسطة حنا آرِنت، "تفاهة الشر"، الأغنية تنطوي على تفاهة غير محتملة، والتفاهة ليس مصدرها الضحية بل المونولوغ الذي تتبناه، والذي يتحجج به الجلاد نفسه، الشرير التافه، الذي قد اعتاد على ضرب امرأته بسبب غيرته عليها، في حين أن حوادث العنف المنزلي تأتي في سياق روتيني مثل التعوّد على البطش بالأضعف وإيذاءه ممّن أمن العقوبة، في منظومة أكبر منه تحميه وتكافئه على هذا الدور. إنه ليس وحشاً تراجيدياً معذباً، ليس ببّر، وليس تنين أو مسخ بحري، وليس عُطيل أو شبح الأوبرا أو ذا اللحية الزرقاء. تحكي الأغنية القديمة قصة تفاهته وعنفه بتقريرية مريبة، منزوعة السحر، مثل حادثة متوقعة وعادية ومكرورة في أي بيت وكل بيت. تقول المرأة أنه ضربها وأنها شعرت بضربته مثل قبلة، لأنها أدركت حينها حبه لها، طبعاً، الرجل التافه في العالم التافه يفعلها بسبب غيرته، وخوفه من فقدان الحبيبة، إن شره تحرّكه تفاهة نواقصه وذعره الشخصي وايمانه الهستيري أنه الأكثر أهمية في العالم، وهكذا فلتذهب للجحيم أو تتعرض للأذى تلك المرأة التي لا تحترم فرادته، وتذهب لرجل غيره، بالطبع، في موقع "معاني الأغاني"، كل التعليقات متعاطفة مع حالة الرجل المؤذي، في حين أن الأغنية في وقت ظهورها قد سببت نفوراً عاماً وانزعاجاً وحُجِبت عن الإذاعة على موجات الراديو، مما يعطي فكرة عما صار إليه العالم الآن.

ويعطي فكرة كذلك عن تمادي لانا دل راي في انتاج كل هذه الثيمات، والأهم، عن سبب وقوعها ضحية لكل هذه الخيالات السلبية المؤذية عن التدمير الذاتي، في عالم من الميديا التي سوف تحاسب ممثلة أو مغنية على بدانتها ولن تحاسبها على اتخاذها نمط حياة ميزوجيني يمجّد دور الضحية أو الدامزل إن دسترس أو الفام فاتال. لقد استعارات لانا دل راي تلك القشور ودمجتها في سياق شبه أسطوري، وأعادت إليها السحر المنزوع عنها في التقريرية الأصلية لكلمات الأغنية القديمة، في فعل رِدّة رجعية لعالم ظلامي قديم. مع شخصيات الرجال الذين يحلو لها أن تتخيلهم، دادي، وجيم، وجيمس دين، وذاك الـCult Leader الذي تحكي عنه في كلمات أغنية أولترا-فايولانس.

مذ شهر بلغت لانا دل راي عامها الثامن والعشرين، وهذا يجعلها تتخطّى "سن الموت المجيد" بعام واحد، في نادي الأموات الذي تتخذ كل أفراده أبطال لها، كرت كيوبان، جيمي هندريكس، آمي واينهاوس وجيمس دين.

في حوار لها مع الغارديان، تصرّح لانا دل راي أنها تتمنى لو كانت ميتة بالفعل، في تصريحها أسى وحسرة أكبر من أسى وحسرة الرغبة في الموت، على "فوات" موعدها مع المجد، أن تموت في سن السابعة والعشرين.

ليس المثير للقلق تمجيد لانا دل راي للموت المبكر، فحسب، ولنمط حياة التدمير الذاتي، المؤسف أنها تعيش في خيالات نمطية من الأدوار الجندرية، ما عدا آمي واينهاوس، الموت المبكر والعنيف كان لنجوم من بطرياركات الروك الذكور، وهذا مناسب للخيال الشعبي عن الاستشهاد الذكوري، لرجل بطل يقتل نفسه قتلة عنيفة – بالمسدس بتاع جيمي هندريكس**- أو بحادث سيارة عضلية كما حدث لجيمس دين، أو غيره، ولأن لانا دل راي تعيش دور اللوليتا وأدوار أخرى نمطية جندرياً، فهي تبني فانتازيا كاملة يتحقق فيها هذا الدمار المبكر، على يد حبيبها العنيف والخطر. اكتمال تام لكل التنميطات الجندرية وكليشيهات الأميرة المجمدة، والدامزل إن دسترس، هذه التيمة لا تحاول لانا الخروج منها أو تجاوزها، بل تعيد انتاجها بشكل غريب و"مفلس" حتى وصلت إلى مرحلة ultraviolence.

هذا مؤسف وغريب، لأن لانا دل راي لا تفتقد الموهبة ولا القدرة على التجديد أو الابتكار. في ربيع 2013، وبعدما أخيراً انتبه لها أحد مخرجي هوليوود، باز لورمان، تشارك لانا دل راي بأغنية "جميلة وشابة" لأجل ساوندتراك فيلمه "غاتسبي العظيم".

لانا دل راي تؤدّي "شابة وجميلة"، لقطة من كليب الأغنية

 سؤال الأغنية الرئيسي يشير إلى أنهما سوف يشيخان سوياً، ولا يشغل بال لانا دل راي مسألة الموت المبكر، بل إن كان سيظل على حبها حينما لا تعود جميلة أو شابة، في أغنية تحتفي بشباب الروح، وبالحب والحياة كذلك، بطلتها انسانة من لحم ودم، يمكن أن تشيخ مثلنا جميعاً، ويمكن أن تفقد جمالها، لم تعد شخصية محنطة من أفلام النوار، ولا فام فاتال، ولا لوليتا أبدية مثل الطفلة في فيلم لقاء مع مصاص الدماء. والحبيب لم يعد وحشاً ورمزاً للخطيئة يتربص لها داخل الكنيسة، في السطر الشهير تطلب فيه لانا دل راي من الرب أن يدعه يدخل معها الجنة. وقد كان هذا مثل تسوية أتت أخيراً بعدما كان يقف في موقع مُقلق ومهدد على حدود مملكة هذا العالم ومملكة السماء، التي يحلو للانا دل راي الإشارة إليها – والإشارة لخلفية كاثوليكية-حينما ترتدي الصلبان الكبيرة، في ظهوراتها العلنية من حين لآخر، وتيجان الورد، وخلافه.


أعرف ذلك الطعم اللاذع والمرير والمقبض، وكذلك الظلامي، للعوالم التي تحب لانا دل راي أن تعيش فيها، عوالم النوار، والوحوش الخطرين، والليل، والقيادة على طريق مسرع، وحتى التدمير الذاتي والموت، لابد أن لهذا جاذبيته وطعمه الحريف، الذي قد تبدو أعمال رقيقة ووديعة مثل أغنية "شابة وجميلة" بجانبه، شديدة البراءة والضحالة، ولكن المشكلة في كل تلك الأدوار والكليشيهات التي تقتبسها لانا دل راي من معالجات درامية أخرى، تمجّد فحسب لأدوار المرأة الضحية التي تتعرض للعنف ولا تقاومه، ولا تملك كذلك إرادة أو خياراً أصيلاً، وتتخذ طريقا شريراً يباركه البطريارك الحبيب أو الدادي. لكن ما العمل إذا كانت لانا دل راي تعيش في عالم يكافئها على كل هذه الأدوار، ويطلب منها المزيد؟


* مؤلف رواية "البرتقالة الآلية" أنتوني بُرجس كان أول من صاغ مصطلح * "أولترا-فايولنس" في روايته، يراد به الاشارة للعنف المبالغ فيه، غير المبرر، ونظراً لأنه عنف اعتباطي، يتم اللجوء إليه مثل حل سهل في لحظة افلاس درامية، فقد استخدمته الميديا لوصف أعمال مخرجين آخرين، مثل ستانلي كوبريك، مخرج الفيلم المقتبس عن الرواية بنفس العنوان، وكذلك كوينتن تارانتينو، وأفلام سو، وآخرين. الجدير بالذكر، أن كوبريك قد أخرج هو أيضاً معالجته للوليتا، رواية نابوكوف التي كان لها دوراً محورياً في فانتازيات لانا دل راي وصورتها عن نفسها.

** لا عجب أن يستخدم لارس فون ترايير أغنية جيمي هندريكس "هي جو!" لأجل فيلمه "نيمفومانياك"، بأداء شارلوت جينسبرغ، الأغنية تحكي قصة رجل اسمه جو أخذ المسدس وذهب ليطخّ امرأته حين علم بعبثها مع رجال آخرين.

عبد الرحمن محمد (@SaturnianVerses) كاتب من مصر، وصاحب مدونة الطعم المرّ للأغاني.

ليست هناك تعليقات: